في غزة اليوم، الطرقات ليست مجرد ممرات لعبور الناس، بل خطوط ضيقة محفوفة بالخطر والمجهول. شارع الرشيد الساحلي، الطريق الوحيد المتاح بعد إغلاق كل المعابر، صار شريان حياة هزيل يربط شمال القطاع بجنوبه، الناس يتنقلون عليه بعربات تجرها الحيوانات أو بتوكتوكات صغيرة، لأن السيارات والشاحنات صارت أهدافًا مفتوحة للقصف.
على هذا الطريق، الوجوه شاحبة، متعبة، يكسوها التعب والخوف. هنا، لا أحد يذهب للنزهة أو العمل؛ الناس يتحركون بحثًا عن طحين أو ماء أو وسيلة للبقاء.
ماجد، رجل في منتصف العمر، استغرقته الرحلة ساعتين ليصل إلى مخيم النصيرات للحصول على كيس دقيق. يجلس في التوكتوك الضيق بلا مقعد، ورائحة الوقود تحاصره، يقول ببساطة: “نعرف أننا نخاطر، لكن لا خيار لنا”.
الوضع ليس أفضل في البيوت: لا طعام تقريبًا، لا دخل، لا مساعدات. ما يوجد في الأسواق قليل ورديء، ومع ذلك، تُقاتل العائلات من أجل الحصول عليه. في المنازل، الأطفال جائعون، النساء مرهقات، والرجال يحاولون المستحيل من أجل لقمة.
على متن إحدى العربات البدائية، يجلس عبد الحميد ومعه أطفاله. يقول بهدوء ثقيل: “نردد الشهادتين قبل أن نتحرك. البحر وراءنا فيه الزوارق، البر أمامنا فيه الدبابات، وفوقنا الطيران… لا ندري متى وأين يسقط علينا القصف”.
حتى كبار السن مثل أم إياد، الذين نادرًا ما يتركون بيوتهم، باتوا مضطرين للسفر عبر هذا الطريق القاسي. تروي رحلتها جنوبًا إلى خان يونس فتقول إنها مرهقة، مؤلمة، وخاصة لكبار السن الذين بالكاد يتحملون ساعات الجلوس المتلاصق في عربة مكشوفة.
أما سائقو التوكتوك مثل أحمد البنا، فهم يعيشون كل يوم تحت ضغط الموت. “المحرك ضعيف، الطريق متعب، والركاب مرهقون أكثر. أضطر أحيانًا للتوقف لإراحتهم، بعضهم لا ينطق من شدة الخوف”، يقول وهو ينظر أمامه بترقب.
على الأرض، أكثر من مليون ونصف إنسان باتوا بلا مأوى، هدمت الحرب بيوتهم وشردتهم في العراء. لا توجد زاوية آمنة، ولا خط نجاة، حتى الاتفاقات السياسية توقفت في منتصف الطريق، وتركت الناس وحدهم في مواجهة واقع دموي لا ينتهي.
منذ السابع من أكتوبر، تساقطت الأرقام كالكارثة: عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، آلاف المفقودين، ملايين ينتظرون مصيرهم تحت الحصار والقصف. العالم ينظر من بعيد، يسجل المشهد، ولا أحد يمد يد الإنقاذ.