في تقرير مطوّل، رسمت صحيفة نيويورك تايمز مشهداً قاتماً للوضع الإنساني المتدهور بسرعة في قطاع غزة، حيث قاد الحصار الإسرائيلي الخانق إلى أزمة خانقة تهدد حياة الملايين. فقد تفشّت الأمراض وارتفعت أعداد الوفيات، لا سيما بين الأطفال، وسط شحّ حاد في الغذاء والمياه والأدوية.
ينقل التقرير كلمات المدير العام لوزارة الصحة في غزة، منير البرش، الذي يعبر عن عجزه قائلاً: «لا أملك أي نصيحة للمرضى… في أغلب الحالات، هم يموتون». هذه الكلمات تلخص الكارثة. فالحصار المستمر، الذي تقول منظمات إنسانية ومسؤولون أوروبيون إنه بات يستخدم المساعدات كسلاح سياسي، جرّ القطاع إلى حافة الانهيار، وسط تزايد الانتقادات الدولية وتحذيرات من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.
الحياة اليومية باتت كفاحاً من أجل البقاء. يروي أحمد محسن، عامل بناء من غزة، بمرارة: «تخيل أنك لم تذق اللحم أو البيض أو حتى التفاح منذ شهور». حتى لو وُجد ما يُطبخ، فالوقود شبه معدوم، ما يدفع البعض لاستخدام أشياء كالنعال الممزقة لإشعال النار. وارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى مستويات لا تُطاق، بينما تعتمد أعداد متزايدة من السكان على المطابخ الخيرية، التي تذبل قدرتها يوماً بعد يوم. يصف أحمد النمس، بقال نازح، المأساة اليومية قائلاً: «نأكل مرة واحدة فقط في اليوم. أشعر بالاختناق وأنا أرى إخوتي جائعين».
أما المياه النظيفة، فهي الأخرى شحيحة، بعدما توقفت معظم محطات التحلية تقريباً. ومع غياب الصرف الصحي الكافي، تنتشر الأمراض التي كان يمكن الوقاية منها. حتى المظاهر الخارجية للسكان تغيّرت. يقول أحمد العجلة، أب من غزة: «باتت وجوه الناس شاحبة وأعصابهم متعبة. ترى أثر الحصار واضحاً على الجميع».
المستشفيات، بدورها، تنهار تحت وطأة النقص الحاد في الإمدادات وسوء التغذية. الدكتور غازي اليازجي من مستشفى الشفاء يعترف بأسى: «دون تدخل سريع واستئناف المساعدات، سنخسر المزيد من الأرواح. نحن نعيش كارثة حقيقية».
وفي رسالة مشحونة باليأس، يوجّه توم فليتشر، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، نداءً مباشراً إلى إسرائيل والمجتمع الدولي قائلاً: «ارفعوا هذا الحصار الوحشي… للمدنيين الذين تُركوا دون حماية، لا أجد كلمات أعتذر بها. أشعر بالعجز المؤلم أمام هذا الظلم».
بكل اختصار، يرسم التقرير لوحة مأساوية لشعب محاصر، يقاتل يومياً للبقاء، فيما ينغلق العالم أكثر فأكثر أمام صرخاته.